سورة الفجر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)}
{واليل إِذَا يَسْرِ} أي يمضي كقوله تعالى: {واليل إِذَا أَدْبَرَ} [المدثر: 33] {واليل إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] والظاهر أنه مجاز مرسل أو استعارة ووجه الشبه كالنهار وإذا على ما صرح به العلامة التفتازاني في التلويح بدل من الليل وخروجها عن الظرفية مما لا بأس به أو ظرف متعلق ضاف مقدر وهو العظمة على ما اختاره بعضهم والإقسام بذلك الوقت أو تقييد العظمة به لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يسري فيه على ما نقل أبو حيان عن الأخفش وابن قتيبة كقولهم صلى المقام أي صلى فيه على أنه تجوز في الإسناد بإسناد ما للشيء للزمان كما يسند للمكان وأيًا ما كان فالمراد بالليل جنسه وقال مجاهد وعكرمة والكلبي المراد به ليلة النحر وهي يسري الحاج فيها إلى المزدلفة بعد الإفاضة من عرفات وليس بذاك والإقسام والتقييد على الوجه الأخير لما في السير في الليل من نعمة الحفظ من حر الشمس وشر قطاع الطريق غالبًا وحذفت الياء عند الجمهور وصلًا ووقفًا من آخر يسر مع أنها لام مضارع غير مجزوم اكتفاء عنها بالكسر للتخفيف ولتتوافق رؤوس الآي ولذا رسمت كذلك في المصاحف ولا ينبغي أن يقال إنها حذفت لسقوطها في خطها فإنه يقتضي أن القراءة باتباع الرسم دون رواية اسبقة عليه وهو غير صحيح وخص نافع وأبو عمرو في رواية هذا الحذف بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذف مطلقًا ابن كثير ويعقوب وفي تفسير البغوي سئل الأخفش عن علة سقوط ياء يسر فقال الليل لا يسري ولكن يسري فيه وهو تعليل كثيرًا ما يسئل عنه لخفائه والجواب أنه أراد أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغير عما كان حقه معنى غير لفظه لأن الشيء يجر جنسه لا لفه به.
إن الطيور على أمثالها تقع ***
وهذا كما قيل في قوله تعالى: {مَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] أنه لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية ومثله من بدائع اللغة العربية ويمكن التعليل بنحوه على تفسير يسر بيمضي لما فيه من العدول عن الظاهر في المعنى أيضًا علمت من أنه مجاز في ذلك وقرأ أبو الدينار الأعرابي والفجر والوتر ويسر بالتنوين في الثلاثة قال ابن خالويه هذا كما روي عن بعض العرب أنه وقف على أواخر القوافي بالتنوين وإن كانت أفعالًا أو فيها أل نحو قوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن *** وقولي إن أصبت لقد أصابن
انتهى وهذا كما قال أبو حيان ذكره النحويون في القوافي المطلقة يعني المحركة إذا لم يترنم الشاعر وهو أحد وجهين للعرب إذا لم يترنموا والوجه الآخر الوقف فيقولون العتاب وأصاب كحالهم إذا وقفوا على الكلمة في النثر وهذا الأعرابي أجرى الفواصل مجرى الوقف وعاملها معاملة القوافي المطلقة ويسمى هذا التنوين تنوين الترنم ولا اختصاص له بالاسم ويغلب على ظني أنه قيل يكتب نونًا بخلاف أقسام التنوين المختصة بالاسم وقوله تعالى:


{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}
{هَلْ فِى ذَلِكَ} إلخ تحقيق وتقرير لفخامة الأشياء المذكورة المقسم بها وكونها مستحقة لأن تعظم بالإقسام بها فيدل على تعظيم المقسم عليه وتأكيده من طريق الكناية فذلك إشارة إلى المقسم به وما فيه من معنى البعد لزيادة تعظيمه أي هل فيما ذكر من الأشياء {قَسَمٌ} أي مقسم به {لّذِى حِجْرٍ} أي هل يحق عنده أن يقسم به إجلالًا وتعظيمًا والمراد تحقيق أن الكل كذلك وإنما أوثرت هذه الطريقة هضمًا للحق وإيذانًا بظهور الأمر وهذا كما يقول المتكلم بعد ذكر دليل واضح الدلالة على مدعاه هل دل هذا على ما قلناه وجوز أن يكون التحقيق أن ذوي الحجر يؤكدون ثل ذلك المقسم عليه فيدل أيضًا على تعظيمه وتأكيده فذلك إشارة إلى المصدر أعني الإقسام هل في إقسامي بتلك الأشياء إقسام لذي حجر مقبول عنده يعتد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه وحاصل الوجهين فيماي رجع إلى تأكيد المقسم عليه واحد إلا أن الوجه مختلف كما لا يخفى ولعل الأول أظهر والحجر العقل لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من التهافت فيما لا ينبغي كما سمي عقلًا ونهيه لأنه يعقل وينهى وحصاة من الإحصاء وهو الضبط وقال الفراء يقال: إنه لذو حجر إذا كان قاهرًا لنفسه ضابطًا لها والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن كما ينبىء عنه قوله تعالى شأنه:


{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)}
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} إلخ فإنه استشهاد بعلمه صلى الله عليه وسلم بما يدل عليه من تعذيب عاد وأضرابهم المشاركين لقومه عليه الصلاة والسلام في الطغيان والفساد على طريقة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذى حَاجَّ إبراهيم فِى رِبّهِ} [البقرة: 258] الآية وقوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] وقال أبو حيان الذي يظهر أنه محذوف يدل عليه ما قبله من آخر صورة الغاشية وهو قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26] وتقديره لإيابهم إلينا وحسابهم علينا وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ والفجر إلى قوله سبحانه: {إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 1-4] فقال هذا قسم على أن ربك لبالمرصاد وإلى أنه هو المقسم عليه ذهب ابن الأنباري وعن مقاتل أنه {هل في ذلك} [الفجر: 5] إلخ وهل عنى أن وهو باطل رواية ودراية إذ يبقى عليه قسم بلا مقسم عليه والمراد بعاد أولًا عاد بن عاص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم هاشمًا وإطلاق الأب على نسله مجاز شائع حتى ألحق بعضه بالحقيقة وقد قيل لأوائلهم عاد الأولى ولأواخرهم عاد الآخرة قال عماد الدين بن كثير كلما ورد في القرآن خبر عاد فالمراد بعاد فيه عاد الأولى إلا ما في سورة الأحقاف ويقال لهم أيضًا ارم تسمية لهم باسم جدهم والتسمية بالجد شائعة أيضًا وهو اسم خاص بالأولى وعليه قول ابن الرقيات:
مجدًا تليدًا بناه أوله *** أدرك عادًا وقبلها إرمًا
ونحوه قول زهير:
وآخرين ترى الماذي عدتهم *** من نسج داود أو ما أورثت إرما

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8